-1
نقطة تحول في التطور الإنساني
كما ترون، فإن خطوة صغيرة يقوم بها كل فرد بالاتجاه الصحيح، ستؤدي إلى قفزة كبيرة في تطورنا كجنس بشري. إن تلك الخطوة الصغيرة بسيطة جداً: لا للقتل، إنها الالتزام بالمبدأ الذي يقول" :عشّ ودع الآخرين يعيشون"، اتساقاً مع القانون الكوني حيث نَهبُ الحياة كي نجلب الحياة. لأن الشبيه يجذب الشبيه، وكلنا يعرف ذلك، وهذا يتضمن بالتأكيد تبني الحمية النباتية الصرفة.
إن البشر بطبيعتهم أكثر كرماً وسلاماً في أعماق قلوبهم؛ لكن الأمر هو أنه قد تم تضليلنا جميعاً، وفهمنا خطأ لمدة طويلة جداً، لقد اعتقدنا أن اللحوم مفيدة لنا، وظننا الألبان كذلك، والسمك والبيض كلها جيدة، لكن كنا مخطئين، الحقيقة عكس ذلك تماماً. لقد أُثبتَ أن ما قيل لنا - بأنه مفيد مما سبق أو من أي منتج حيواني - هو قول خاطئ جملة وتفصيلاً. بل إنه على عكس كل ما هو جيد، فقد كان يجر علينا المعاناة والمرض وخسارات مالية ضخمة لدافعي الضرائب التي تذهب لعلاج الأمراض وأعمال أخرى مرتبطة بالصناعة الحيوانية ذاتها.
وهكذا فقد تم خداعنا لفترة طويلة جداً. والآن علينا أن نقوم بالأبحاث، وأن نصغي للأطباء والعلماء الحكماء. يجب أن نرى نتائج أبحاثهم التي تقول أن اللحوم والمنتجات الحيوانية سامة جداً بالنسبة لنا. وعلينا أن نتوقف الآن خصوصاً من أجل أطفالنا، إذ لا نستطيع الاستمرار بتسميمهم أكثر، فهُم بلا حول ولا قوة. الأطفال المساكين يعتمدون علينا ظناً منهم أننا نعرف أكثر، لكن ذلك ليس ذنْبَنا أيضاً، علينا فقط أن نغيّر رأينا.
ولم ليس ذنْبنا؟ لأننا تعلمنا أيضاً بنفس الطريقة، وكذلك أجدادنا، وأجداد أجدادنا. وكوننا منشغلين جداً بهموم يومنا وعملنا، فليس لدينا الوقت للقيام ببعض الأبحاث، وهكذا لم نعلم أن تلك الأشياء تُعتَبر سامة بالنسبة لنا.
قبل كل شيء، أنه يلتهم كوكبنا. ليس الأمر فقط أن ذلك السلوك يقتل الناس والحيوانات، بل يقتل الكوكب برمته، وعلينا أن نوقفه حتى يتسنى لنا إنقاذ العالم، فالأمر يقتضي فقط أن نسير في الاتجاه الآخر، وذلك كل ما علينا فعله، أن نمشي في الاتجاه الصحيح من دون أن نسبب المزيد من المعاناة، ونسلب المزيد من الحيوات، بل أن نكون محبين ونصون حياة كل المخلوقات. تلك هي القفزة التي تحتاجها الإنسانية.
سنشعر باختلاف تام إثر هذه الوثبة، وسنشعر أننا ارتقينا تلقائياً إلى مستوى وعي أعلى، تخيلوا أننا كبار وأقوياء وأذكياء وبارعون. فبمقدورنا زراعة كل الأصناف من أجل الحصول على الطعام، ولا يجب أن نستخدم قدراتنا وذكاءنا وكفاءاتنا في إنهاك ومضايقة وتعذيب والتسبب بالمعاناة وقتل تلك الحيوانات الصغيرة البريئة العاجزة التي لم تتسبب لنا بأي أذى على الإطلاق. إن تلك الحيوانات بريئة وفقاً للقانون، وإذا قتلنا الكائنات البريئة فنحن من يجب أن يُعاقب، وأعتذر إذا كان كلامي يزعجكم ولكن تلك هي الحقيقة، وأنا متأكدة أنكم تعونها.
عبر وثبتنا اتجاه هذا التطور يمكننا هجر طريقة العيش المليئة بالعوز والخوف إلى حياة حقيقية ملؤها السلام والحب والتنوّر، أي الانتقال من دائرة المعاناة والقتل والعنف المفرغة إلى دائرة الحنان المُحب والحماية والسعادة.
هل بمقدورنا أن نتصور عالماً الضعفاء فيه لا يخافون أبداً من الأقوياء، حيث لا مزيد من العنف، ولا اقتتال بين الجيران سواء كانوا قريبين أم بعيدين، حيث لا طفلاً يموت جوعاً أو عطشاً أو مرضاً كل بضع ثواني، وكل يوم، بينما تراقب الأمهات عاجزاتٍ تماماً وقلوبهن مفطورة من الأسى؟ بينما أتكلم الآن يموت العديد من الأطفال في مكان ما. كل بضع ثوانٍ يموت طفلاً من
الجوع. لا يمكننا مواصلة القيام بذلك، ولا يمكننا الانتظار أكثر، وعلينا أن ننقذ هذه الحيوات، ليس القصد حياة الحيوانات فقط، بل حياة أطفالنا، حتى إن لم يكن الذين يموتون أطفالنا، فهم أطفال أناس آخرين.
إن اللحم يسبب الكثير من الألم لأنه يسبب الجوع والحروب. إننا نستهلك جميع
الحبوب والقمح والصويا والموارد الخصبة، والأراضي والمياه كل ذلك كي ندعم صناعة اللحوم، ولذلك يعاني العالم من نقصً في الماء والغذاء. من أجل أن نصون حياة البشر علينا أن نوقف صناعة اللحوم.
إن الطريقة التي نعيش فيها الآن هي حالة متدنية جداً عن سوية الحقيقة التي ننتمي إليها. إننا أبناء الله، كُلي المحبة والحنان. ونحن ورثة الجنة لكننا قد نسينا فقط. أتتصورون إلهاً يأتي إلى الأرض ويقتل كل ما يقع عليه بصره من أجل أن يأكل؟ أنا أعتذر، ولكن إذا كان هناك إلهٌ كذلك فلا أود أن أكون وريثةً له. هل تودون أن تكونوا أبناء ذلك النوع من الإله؟
حسناً، لا. شكراً، شكراً جزيلاً، أنتم لطفاء حقاً. والآن، إذا كان الله كُلي الرحمة، وكُلي الرأفة، وكُلي المحبة، وكنا نحن أبناء الله، ألا تعتقدون أنه يجب أن
نتصرف كأبناء الله على الأرض؟
يجب أن نسير على درب الحب والشفقة، وأن نمثل أبانا بصورة جيدة إذا أردنا أن نمجد اسمه. نقول في صلاتنا يومياً “ ليتمجّد اسمك في السماء كما على الأرض”، لكن ماذا نفعل حتى نمجد اسمه؟ لذلك يجب أن نمثله على الأرض.
ندعو الله دائماً لأننا نؤمن أن الله رحيم، حفيظ، شفوق ومحب، ونحن أبناء الله؛ فيجب أن تتمثل فينا تلك الصفات. لقد جُبلْنا في الأصل من تلك الصفات، فنحن الحب والحنان، لكن تم تضليلنا وإعطاؤنا معلومات خاطئة فقط، وكذلك فقد نسينا، فأرجوكم تذكروا من جديد، إن هذه الصفات موجودة في أعماقنا، ونعلم أنه لا بد من وجود حالٍ أفضل من الذي نراه حولنا.
لدينا العديد من الأمثلة عبر تاريخنا عن كائنات بشرية كانت حياتها نهضوية بحيث ما زالت تُشع حتى يومنا هذا، ليس فقط المعلمون الروحيون، ولكن فلاسفة كأفلاطون، ورجال دولة كسقراط، ورياضيين كفيثاغورس، وأيضاً كالشاعر الأمريكي "رالف والدو إميرسون" . لقد كانوا جميعهم نباتيين، هل تفاجأتم؟ لا لم تفعلوا. لا تبدون متفاجئين بالنسبة لي، ها أنتم تعرفون كل ذلك. جميع العظماء هم من أتباع الحمية النباتية أو النباتية الصرفة. إذا درسنا أثارهم بعناية سنجد أن الجوهر الأساسي للحياة المتحضرة التي علّموها هو الحمية النباتية الصرفة.
إن الحمية النباتية هي - إن لم تكن الوحيدة - إحدى أولى وأعظم أفعال الرأفة، وعدم أذية حياة كائن آخر وعدم إلحاق الضرر بالبيئة أيضاً. إذا ما قارنا حمية تعتمد اللحوم مع الحمية النباتية الصرفة نجد أن الحمية اللاحمة تستهلك إحدى وأربعون ضعفاً أكثر من الماء، وستة أضعاف أكثر من الحبوب، وعشرة أضعاف أكثر من الطاقة، وعشرون ضعفاً أكثر من الأراضي بينما تدمر الغابات المطيرة في غالبها.
أن يكون المرء نباتياً هي مهنة كريمة على صعيد الاستحقاق الروحي، فضلاً عن صون البيت الوحيد الذي نملك. فكلما قل الضرر والأذى الذي نبتلي به الكوكب وقاطنيه، قلت الدَّيون التي يجب أن نسددها. نحن ندفع ثمناً باهظاً الآن، لكن سيكون الثمن باهظاً أكثر إذا لم نوقف صناعة اللحوم والصناعة الحيوانية إجمالاً.
كلما قدمنا المزيد من الحماية والحنان والمحبة اتجاه كل الكائنات، كلما ازددنا عظَمةً في هذا العالم، وكلما تعاظم في قلبنا ذلك الشعور الذي يرقى لمثيله في مملكة السماء. لهذا السبب كان المعلمون العظماء في الماضي والأرواح المستنيرة الأخرى يقدمون التعاليم ذاتها، فإن كنا لا نريد أن يمسنا أي أذى فيجب ألا نؤذي الآخرين. وانظروا إلى تعاليم جميع الأديان فكلها تقول الشيء عينه، والعبارة نفسها والمعنى ذاته. يجب أن نفعل مع الآخرين ما نعرف أنه خير لنا، ومعنى ذلك أننا نحصد ما نزرع من غير إخفاق. ولهذا السبب علمنا العظماء أن نكون نباتيين وألا نأكل الحيوانات.
إذا قمنا بهذه القفزة فإن تغييراً طفيفاً على الحمية الغذائية هو كل ما سيحدث، حيث نستعيض عن اللحوم وعن البروتين الحيواني بالبروتين النباتي الذي يأتي في الدرجة الأولى من حيث النوعية بكل الأحوال. إن سبب تصنيف البروتين الحيواني في الدرجة الثانية، مردّه إلى أن الحيوانات قد تناولت خضار وفواكه وهي من الدرجة الأولى، من ثم نأكل نحن لحم هذه الحيوانات، وتلك هي الدرجة الثانية. إننا بشر، فلماذا نختار طعاماً من الدرجة الثانية؟ إن ذلك لا يليق بنا، ولذلك يجب أن نقوم بتلك القفزة.
سيداتي وسادتي، يجب أن نقفز، فإذا ما فعلنا سيبدأ العصر الذهبي بعد فترة وجيزة، مُعلناً زمن العيش السلمي من غير خسارة الأرواح باستمرار موت مبكر لعشرات المليارات كل عام! يعذّبون ويُذبحون من أجل متعتنا الزائلة، التي يمكن دائماً استبدالها. إن اللحم مادة يمكن الاستعاضة عنها.
هناك العديد من الروائع في الحياة على الأرض سنأتي على اختبارها واكتشافها، والكثير من المعارف العلمية التي سيتم الكشف عنها وتحرّيها وابتكارها، والكثير من التقنيات الرائعة التي سنطورها! فضلاً عن أنظمة اجتماعية أفضل. إن تلك الأشياء تفوق في غالبيتها مستوى منطقنا الحالي أو حتى مخيلتنا، ويمكن إنجازها فقط عبر ولوجنا إلى مصدر حكمتنا وطاقاتنا الخلاقة.
من أجل أن نفسح مصادر هذه الحكمة يجب علينا بداية أن نتخلص من المواد الضارة والتي تشكل عائقاً أمامها وتصدها وتخدرها، كاللحوم، منتجات الحليب، الأسماك، الطيور وكل المنتجات الحيوانية. إن جميع تلك الأشياء تعيق إدراكنا وتقدمنا، ليس فقط على المستوى الروحي والأخلاقي بل على المستوى التكنولوجي أيضاً.
أخيراً، وإلى جانب أسبابنا الشخصية التوّاقة إلى الترحيب بالعصر الذهبي، يجب أن نأخذ الكوكب في الحسبان، وأنا متأكدة من أنكم تعرفون أننا في خطر ولم يعد لدينا وقت نضيعه. إن قفزة الوعي هذه هي أيضاً لإنقاذ كوكبنا وكل الكائنات التي تستحق العيش في عالمٍ متناغم.
إذا قام كل فرد بهذه القفزة أو التحول سنتمكن من إنقاذ كوكبنا - وأعدكم، بكل الشرف الذي أملك والله شهيدٌ على ما أقول - و في نفس الوقت سنرتقي بأنفسنا، الأمر الذي طال انتظاره كثيراً.
الجنس البشري مستعد للتقدّم
إنه الوقت المناسب الذي يتوجب فيه على الجنس البشري أن يرتفع إلى مستوى وعي أعلى. إذ يجب على الإنسان أن يكون نبيلاً، وحنوناً، ورحيماً.
“صيروا نباتيين، كونوا خُضراً، وقوموا بفعل الخير”، ليست جملة من أجل الكوكب فقط، بل لجميع أبناء الجنس البشري من أجل إعلاء نبالتهم واستحقاقهم الروحي وميزاتهم، ويجب أن يفعلوا ذلك بغية أن يكونوا نبلاء.
ينبغي أن نعود إلى طبيعتنا الرحيمة والمُحبة في أعماق قلوبنا، وذلك يسيرٌ جداً. لقد خلقنا من تلك الصفات، فنحن الرأفة ذاتها؛ رحماءَ ونقدم الرعاية والاهتمام. إذا رغبنا حقاً في أن نرى تناغماً حقيقياً يولد بين البشر والحيوانات والطبيعة والسماء، فيجب أن نكون ذاك التناغم، وأن نعيش في تناغم، ونتصرف بتناغم والذي يتضمن تناولنا للطعام بشكل متناغم في كل مرة نقرب فيها الطاولة.
إن اتخاذ الخيار النباتي الصرف في هذه الحالة هو تقدّم حقيقي في تطور إنسانيتنا وصلاحها. نعلم أيضاً أن الشبيه يجذب الشبيه، والخير يجذب الخير، وبينما نشارك هذه الحقيقة الرحيمة مع الآخرين لن ترتقي إنسانيتنا عالياً وحسب، بل سيرتقي العالم أجمع.